قال تعالى في سورة الأعلى { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } * { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } *
سورة جميلة تذكّرنا بشهر رمضان، وصلاة التراويح، وتُدخل الطمأنينة الى قلوبنا وأنفسنا، يحبها الاطفال، ففيها التسبيح وقدرة الله على الخلق وهداية الناس وإخراج المرعى الجميل الأخضر في فصل الربيع بما فيه من اعتدال للطقس وولادة جيل جديد من الغنم والماعز والبقر والابل والطيور والفراش، مشهد في غاية الجمال والبهجة، ثم تأتي الآية التالية لتُنهي هذا المشهد الجميل { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ }، وبشكل مفاجيء! لماذا؟

لغوياً، الفاعل هو الله “الأعلى”، ومعنى غثاء أحوى في كتب التفسير هو “فجعل ذلك المرعَى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح وجرفه السيل. وجعله هشيماً يابساً متغيراً إلى الحُوَّة، وهي السواد، من بعد البياض أو الخُضرة، من شدّة اليبس.”، أي ان معنى “غثاء” هو اليبس والهشيم ومعنى “أحوى” هو السواد.
يمكننا اعادة سرد تفسير الآيتين بأنه جاء فصل الشتاء وبدأ المرعى بالظهور وبدأت الانعام ترعى منه، بلغ المرعى أوجه في فصل الربيع وأزهر ونضجت البذور، ثم جاء الصيف وجفت النباتات وتحطمت سيقانها، وسقطت البذور على التراب، وجاء فصل الخريف برياحه وأمطاره، وساقتها السيول والرياح الى حيث شاء الله، ثم بدأت بقايا النبات بالتحلل وأصبح لونها اسود، ثم يخبرنا تعالى في سورة الأنعام بأنه فالق الحب والنوى { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } الأنعام – 6، فهو يشُقّ الحب الميت ويُخرج الله لنا المرعى من جديد، نعم، من الحب الميّت، ويظهر لنا مشهد المرعى الجميل من جديد وتتجدد الحياة. وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ!
ما يبدو على أنه نهاية مؤلمة { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ }، هي في الحقيقة بداية لشيء جديد وجميل. وهذه سُنّة الله في خلقه.
سبق وكتبنا في مقالتنا “ربنا ما خلقت هذا باطلا” عن أن معنى “اختلاف الليل والنهار” هو تغيّر طولهما وحرارتهما على مدار السنة، والذي يعزى الى عدة اسباب أهمها ميل مدار الأرض حول نفسها عن مدارها حول الشمس بـ 23.5 درجة وبالتالي الفصول الأربعة، ويخبرنا تعالى ذكره في سورة الأعلى وفي ستة كلمات { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ }، دورة حياة النباتات والفصول الأربعة وقدرته على الخلق والتدبير والتقدير للأمور.
بقلم حسين كتّاب
